نشرت صحيفة "لوموند" فى عددها اليوم مقابلة مع مديرة منظمة الصحة العالمية
مارجريت تشان بتقييم الوضع حتى الآن وشرح استراتيجية المنظمة لمواجهة
فيروس أنفلونزا الخنازير الذى أُعلن فى 11 يونيو كأول وباء فى القرن
الحادى والعشرين.
حيث إن آخر إحصاء صادر يوم الجمعة 28 أغسطس عن منظمة الصحة العالمية، وصل
عدد الوفيات الناجمة عن فيروس أنفلونزا الخنازير إلى ما لا يقل عن 2185
شخصا، فى حين بلغ عدد المصابين به حتى ذلك التاريخ ما لا يقل عن 209438،
فى أكثر من 177 بلدا.
تقول مارجريت تشان إن هذه هى المرة الأولى فى التاريخ التى نرى فيها وباءً
يتطور أمام أعيننا. فقد كان العالم فيما مضى دائما ما يُؤخذ على حين غرة،
دون أن يتوفر لهم الوقت الكافى لمناقشة سبل التصدى للمرض. ومنذ ظهور فيروس
أنفلونزا الطيور منذ بضع سنوات، ناقش وزراء الصحة مع منظمة الصحة العالمية
كيفية إعداد خطة لمواجهة خطر الوباء، مع الاستناد لتجربة الأنفلونزا
الأسبانية فى عام 1918.
إلا أن الوضع مع فيروس (H1N1)، كما تشير تشان، مختلف تماما، إذ أنه جديد
من نوعه ولا يوجد أحد محصن ضده. كما أنه ينتشر بسهولة شديدة، ولكن لا
يتسبب فى حدوث مرض حاد لدى معظم الناس.
وعن التهديدات التى يشكلها هذا الوباء الآن، تعلق مارجريت تشان قائلة، إن
الفيروس ينتقل بسرعة لا تصدق، ولم يسبق لها مثيل. ففى غضون ستة أسابيع،
يستطيع الفيروس أن ينتقل نفس المسافة التى تستغرقها فيروسات أخرى فى ستة
أشهر! كما أن عدد المصابين هو أيضا لم يسبق له مثيل. فقد يُصاب 30 ٪ من
الناس فى البلدان ذات الكثافة السكانية العالية.
تشير تشان أن 60% من الوفيات تحدث بين أشخاص يعانون فى الأساس من مشاكل
صحية أخرى. مما يعنى أن 40 ٪ من الوفيات تحدث بين الشباب الذين يتمتعون
بصحة جيدة، والذين يموتون فى غضون خمسة إلى سبعة أيام من جراء التهاب رئوى
فيروسى. وربما يكون هذا هو أكثر الأمور إثارة للقلق، لاسيما وأن علاج
هؤلاء المرضى يكون ثقيلا وصعبا جدا.
وتتساءل تشان حول ما سيحدث فى العالم الذى يصل عدد سكانه إلى 6.8 مليار
نسمة إذا أصاب هذا الفيروس بين 20 ٪ إلى 30 ٪ من سكانه؟ وماذا سيحدث إذا
اشتدت حدة هذا المرض دون أن نكون مستعدون له، خاصة أنه فى كثير من
البلدان، غالبا ما تكون خدمات الطوارئ والعناية المركزة مشغولة أو حتى
أنها تعمل زيادة عن طاقتها.
غالبا ما ستكون النتيجة، بحسب تشان، أن هذا المرض سيستهلك الكثير من
الموارد، وسيكون ذلك على حساب المصابين بأمراض أخرى، مثل السرطان أو أمراض
القلب أو غيرها.
وحول سباق التزود بلقاح ضد أنفلونزا (H1N1)، وما إذا كان هناك خطر من
تأخير الجدول الزمنى للحصول عليه، خاصة أن السلالة الأولى التى أرسلتها
منظمة الصحة العالمية لمصنعى التطعيم قد حققت نتائج مخيبة للآمال، أكدت
تشان أن الأمر سوف يستغرق ما بين خمسة إلى ستة أشهر لتطوير الدفعات الأولى
من اللقاح، وأنه حتى الآن لم يتم بعد تخطى الموعد المحدد.
كما نفت تشان أن يكون هناك ما يكفى من كميات هذا اللقاح خلال الأشهر
المقبلة، ولكنها قد تزيد فى المستقبل. وضربت مثل بالخطة التى وُضعت من قبل
لمكافحة فيروس أنفلونزا الطيور H5N1 ، حيث كانت قدرة الإنتاج السنوى من
لقاحات هذا الفيروس فى جميع أنحاء العالم 450 مليون جرعة، أساسا فى
البلدان المتقدمة، ثم ارتفعت إلى 900 مليون جرعة.
وتستدرك تشان قائلة، إنه حتى لو لم يكن هذا الأمر كافيا حتى الآن، فهو على الأقل لم يحدث أبدا مع أى وباء آخر فى الماضى.
وعن موقف البلاد النامية من الحصول على هذا اللقاح، تقول تشان إن المنظمة
قد تلقت تعهدات بتبرعات بقيمة 150 مليون جرعة. وأنها بصدد مواصلة التفاوض
لزيادة هذه الكمية وشراء جرعات إضافية، مُذكرة بضرورة اتباع وسائل الوقاية
الأساسية مثل غسل اليدين، والبقاء فى المنزل عند الشعور بألم...
وحول مدى جودة وسلامة اللقاحات ضد فيروس H1N1 فى المستقبل، تجيب تشان أن
التجارب المعملية سوف تمنح الأجوبة عن الآثار الجانبية المحتملة لهذه
اللقاحات، مشيرة إلى أمر مهم يجب أن يظل واضحا : وهو أنه نظرا لوجود عدد
محدود من الناس الذين يُجرى عليهم اختبار اللقاح، فلن تظهر بالضرورة دائما
بينهم آثار جانبية نادرة الحدوث. فهى لا تستبعد فى الوقت ذاته مثلا ظهور
أعراض مرض جليان باريه (مضاعفات عصبية محتملة) تحدث فى حالة واحدة لكل
مليون شخص يتم تطعيمهم.
وفى النهاية تشير تشان أنه حتى مع وجود منتجات ذات جودة عالية، هناك دائما
آثار جانبية. ولهذا السبب أصدرت المنظمة توصيات لتأمين الرقابة الصحية
بمجرد استخدام اللقاح. وتؤكد على ضرورة التمييز بين الآثار الفعلية ذات
الصلة باللقاح، وتلك التى تتزامن مع وقت استخدامه، ولكن من دون أن تكون
لها صلة حقيقية به. وفى حالة اكتشاف آثار جانبية محددة نتيجة اللقاح، سوف
تقوم المنظمة بالإخطارعلى الفور، وهو ما يجب أيضا أن تقوم به الدول التى
تلاحظ ظهور أعراض جانبية لذلك التطعيم.