من المؤكد أن هناك مذبحة فنية في طريقها للوقوع هذا الصيف.. والخوف ..
كل الخوف .. أن تؤدي هذه المذبحة إلى خسائر مالية فادحة لكل الكيانات
الإنتاجية السينمائية بلا استثناء .هكذا اندلعت نبرة التحذيرات على ألسنة النقاد والمهتمين بأحوال صناعة السينما
مع بداية الموسم السينمائي الحالي الذي يمكن أن يطلق عليه "موسم تكسير
العظام"، وهو الوصف الأقرب إلى معركة الأفلام الصيفية التي تجري أحداثها
الدموية في مثل هذا الوقت من كل عام بعد أن وصل عدد الأفلام التي تم
إدراجها على خريطة العرض الصيفي إلى 12 فيلماً دفعة واحدة تضم حشداً
ضخماً من الأسماء اللامعة والنجوم الساطعة في سماوات الفن السابع..ورغم
هذا الزخم في عدد الأفلام التي تخوض حالياً غمار "معمة" الصيف الضارية
والتي تعتبر بمثابة أكبر ميزانية لأفلام الصيف حتي الآن في تاريخ السينما
المصرية إلا أن الإيرادات لا تأتي دائماً بما يشتهي المنتجون، فقد سقط
الموسم في مفاجأة مدوية لم تشهد المواسم السينمائية الماضية لها مثيلاً
حيث جاءت حصيلة شباك التذاكر مخيبة للآمال، ودخل الموسم غرفة الإنعاش وهو
يعاني من غيبوبة عميقة..وهكذا حلت الكارثة في واحد من أعنف المواسم
السينمائية وأقصرها نتيجة انكماش عدد الأسابيع المتاحة للعرض إذ لا تتعدى
فعلياً 8 أسابيع فقط، وأكثرها تكلفة بعد أن تجاوزت ميزانية الأفلام
المعروضة225 مليون جنيه، فضلاً عن إصرار شركات التوزيع السينمائي على عدم
المجازفة بعرض أي فيلم كبير خلال شهر أغسطس بسبب تزامنه مع حلول شهر
رمضان..
الموسم مضروب..!!وما زاد الطين بلة والأمور
سوءاً وتعقيداً هو أن جميع الأفلام المعروضة حتى الآن لم تصادف الإقبال
الجماهيري المتوقع لها، فلم يحقق أي فيلم حتى الآن أكثر من 600 ألف جنيه
كإيراد يومي مما جعل البعض يصف الموسم الصيفي بـ "المضروب"، في حين يرجع
البعض الآخر ضعف الإيرادات إلي تواضع مستويات الأفلام نفسها وازدياد جرعات
الكآبة والنكد والعنف والدم في سابقة لم يسبق لها مثيل، الأمر الذي يعني
صعوبة تخطي حاجز المائة وخمسين مليون جنيه التي يتطلب تحطيمها خلال هذا
الموسم وهو ما بدا أنه يشي بخسائر حتمية قد تصل إلى ما يزيد على خمسين
مليون جنيه..وفي الوقت نفسه يعزو صناع السينما والنقاد - بعد أن
استطلعنا آراءهم - السبب وراء قلة حصيلة الإيرادات إلى تأثيرات الأزمة
المالية والظروف الإقتصادية الصعبة والمتردية جراء الإرتفاع الجنوني في
الأسعار وهو ما أدى إلى أن أصبح ثمن تذكرة السينما حلماً بعيد المنال لدى
البعض لاسيما بالنسبة للأسر متوسطة الدخل التي كانت تشكل النسبة الأكبر من
مرتادي دور السينما.كما شهد الموسم الحالي العديد من الأزمات
والعقبات التي تهدد بحدوث خسائر قد تفوق ما حدث العام الماضي منها
امتحانات الثانوية العامة والجامعات التي بدأت مع نهاية شهر مايو حتى
أوائل شهر يوليو ومن ثم أدت إلى التهام ما يقارب نصف الموسم مما أثر
بالسلب على إيرادات الموسم خاصة أن معظم جمهور الصيف من الطلبة بالإضافة
إلى أن شهر يونيو شهد إقامة مباريات بطولة كأس القارات التي شارك فيها
المنتخب الوطني وكذلك استمرار التصفيات المؤهلة لمونديال2010 ما أؤدى إلى
تراجع الإقبال على دور العرض السينمائي خاصة أيام مباريات المنتخب،
والأيام التي شهدت انعقاد دورة ألعاب البحر المتوسط..أما الطامة
الكبرى فقد حلت بالسوق السينمائي الصيفي بدءاً من الأسبوع الثاني من شهر
يونيو الماضي عقب تحذيرات وزارة الصحة للمواطنين بتجنب الأماكن المزدحمة
ومن بينها دور العرض السينمائي والتي جعلت مجرد ارتياد قاعات السينما
مغامرة غير مأمونة العواقب لاسيما في ظل اندلاع المخاوف من تفشي العدوى
بعد تزايد معدلات الإصابة بالمرض يوما بعد آخر..وبالطبع فقد تسببت
كل هذه العوامل في حالة من التخوف لدي أصحاب الأفلام، وأصبح العرض خلال
هذا الموسم مغامرة كبري مجهولة المصير حتى الآن.وإذا القينا نظرة
سريعة علي إيرادات الأفلام المعروضة الآن حسب تقارير غرفة صناعة السينما
سنجد أن الفجوة بين التكلفة الإنتاجية لأفلام الموسم وإيرادات شباك
التذاكر تزداد اتساعاً فعلى سبيل المثال لم يستطع فيلم "بوبوس" اختراق
حاجز الثمانية ملايين جنيه بعد مرور خمسة أسابيع رغم أن ميزانيته
الإجمالية تجاوزت30 مليون جنيه في لطمة مدوية لا تتناسب مع حجم الدعاية
الضخمة والمكثفة التي حظي بها الفيلم قبل وأثناء عرضه، لكن المرجح أن عادل
إمام لن يستطيع بأي حال المنافسة على قمة الإيرادات مثلما اعتاد خلال
السنوات الاخيرة خصوصاً أن متوسط إيرادات الفيلم اليومية ضعيف جداً نتيجة
سخط الجمهور على الفيلم جراء ضعف مستواه الفني والحجم الهائل من المشاهد
المفعمة بالسخونة والإثارة.الأمر نفسه ينطبق على فيلم "إبراهيم الأبيض"
الذي تتعدى تكلفته الإنتاجية حاجز 35 مليون جنيه ورغم ذلك فشل في استقطاب
الجمهور طيلة سبعة أسابيع متتالية ولم يحقق سوى 10 ملايين جنيه فقط، وهي
الصفعة التي ربما تجعل المسئولين في شركة جود نيوز يفكرون في إعادة ترتيب
الأوراق من جديد فيما يتعلق بسياسات الشركة التي لا تنحصر إلا في السخاء
الإنتاجي وحشد أكبر عدد من الأسماء اللامعة دون التدقيق في مضمون
السيناريو أو جودة الموضوعات المطروحة..أما فيلم "بدل فاقد" فقد
نجح في الوصول إلى رقم 8 ملايين جنيه خلال ستة أسابيع وهو رقم معقول جداً،
كذلك فيلم "الفرح" فهو الأفضل حالاً بين الأفلام المعروضة حتى الآن إذ
بلغت إيراداته خلال أربعة أسابيع فقط 10 ملايين جنيه رغم أنه يعتبر من
الأفلام ذات الكلفة الإنتاجية المتوسطة إذ لا تتجاوز ميزانيته سقف الـ12
مليون جنيه، وهناك فيلم "المشتبه" الذي حقق حوالي مليون جنيه، وما زال
فيلم "احكي يا شهرزاد" يسير بخطى ثابتة وقد وصل إلى مليونه السابع في
مفاجأة أذهلت الكثيرين خاصة عقب الضجة التي تزامنت مع طرح الفيلم بعد
اتهام منى زكي بأداء بعض المشاهد التي تحمل طابع الجرأة والسخونة في
الفيلم ليبدو وكأن الهجوم الذي تعرض له الفيلم قد جاء لمصلحته تماماً،
وخرج فيلم "يوم ما اتقابلنا" من المنافسة مبكرا وفشل في تحقيق إيرادات
تزيد على المليوني جنيه..في الوقت نفسه مازال فيلم "عمر وسلمى 2"
متربعاً على عرش صدارة الإيرادات، وهو ما فسره البعض بالتيمة الكوميدية
التي تسير عليها أحداث الفيلم وكذلك مشاركة الأطفال في بطولة الفيلم وهو
ما جعل قاعدته الجماهيرية أكثر اتساعاً.صراع الكبارومع
توالي الأسابيع السينمائية يتوقع المراقبون أن تزداد المأساة تفاقماً مع
الإصرار المستميت لبعض المنتجين على عرض أفلامهم خلال الماراثون السينمائي
الصيفي ومنها "طير انت" لأحمد مكي، "العالمي" ليوسف الشريف، "1000 مبروك"
لأحمد حلمي رغم تحذيرات شركات التوزيع لهم والتي لجأت إلى استحداث أسلوب
احتياطي لأول مرة من خلال أخذ إقرارات وتعهدات شخصية على المنتجين بتحمل
المسئولية كاملة في حال إصرارهم على عرض أفلامهم خلال هذا الموسم.ومازالت
بعض الأفلام المعروضة حالياً تصادف سوء حظ في مع توالي نزول الأفلام
الجديدة إلى السوق إذ تلجأ شركات التوزيع إلى تقليص عدد القاعات التي تعرض
فيها لصالح الأفلام الجديدة مما يعني "حرقها" مبكراً وتفويت الفرصة على
هذه الأفلام في تحقيق إيرادات جيدة خلال الأسابيع المقبلة مثلما حدث مع
أفلام "دكان شحاتة"،
"الفرح"، "المشتبه" التي تعرضت إلى عملية رفع تدريجياً من عدد كبير من دور
العرض مع نزول أفلام "احكي يا شهر زاد" و"طير انت"، وكذلك فيلمي "عمر
وسلمى" و"إبراهيم الابيض" اللذين تم سحب عدد كبير من النسخ من دور العرض
مع طرح فيلم "بدل فاقد" ومن بعده فيلمي السفاح" و"1000 مبروك".